أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ وَاکْفِنِی مَا یَشْغَلُنِی الاهْتِمَامُ بِهِ، وَاسْتَعْمِلْنِی بِمَا تَسْأَلُنِی غَداً عَنْهُ وَاسْتَفْرِغْ أَیَّامِی فِیمَا خَلَقْتَنِی لَهُ، وَأَغْنِنِی وَأَوْسِعْ عَلَىَّ فِی رِزْقِکَ، وَلاَ تَفْتِنِّی بِالنَّظَرِ
لازال بحثنا شرح فقرات دعاء العشرین من صحیفه السجادیه المسمی بدعاء مکارم الاخلاق،نصل الی هذه الفقره وَأَغْنِنِی وَأَوْسِعْ عَلَىَّ فِی رِزْقِکَ ،فطلب الامام زین العابدین علیه السلام من الله هو الغنئ و التوسعه فی الرزق فیکون کلامنا حول الفقر و معناه و هل هو ممدوح او مذموم و کذلک الغناء انه ممدوح او مذموم.
الفقر فی اللغه: انکسار فقار الظهر والفقیر بمعنى: المفقور المنکسر فقرات ظهره
وهو فی اصطلاح الشرع وأهله یطلق على معان کما أشار إلیها الراغب: اهمها:فقد لوازم العیش والحیاه بالنسبه إلى من یحتاج إلیها.
فقد یستظهر من روایات المعصومین أن الفقرَ بنفسه أمرٌ ممدوحٌ مطلوبٌ ذو فضل ورجحان، مندوب إلیه فی الشرع. وأن الغنى مذموم مبغوض منهی عنه
لکن الظاهر أن الفقر الممدوح مشروط:
أولاً: بعدم کون حصوله من ناحیه قُصور المکلَّف وتقصیره فی الحرکه والسعی إلى تحصیل رزقه کما أمره الله تعالى، وإلاّ فلا حُسْنَ فی ذلک، ولا یکون مشمولاً لما دلَّ على فضله.
وثانیًا: بتقارنه بالرضا والتسلیم، وعدم ظهور الجزع منه والشکوى إلى الناس.
وثالثًا: بعدم وقوع صاحبه فی المعصیه من جهته، وهو ممدوح – حینئذٍ – لرضا الفقیر باطنًا بقضاء الله تعالى وتسلیمه قلبًا لأمره، مع وقوعه فی ضیق العیش وضنک الحیاه، مع أن أغلبَ أهل هذا الفقر، یصرفون أعمارهم فی سبیل دینهم وطاعه ربهم، وسائر الأمور النافعه لمعاش أنفسهم وإخوانهم ولمعادهم عِوضًا عن الأوقات التی یصرفها الأغنیاء فی دنیاهم.
وأما الغنى: فهو مذموم إذا أورث الحرص على الدنیا والغفله عن الله تعالى، وعن القیام بالوظائف والطاعات المندوبه أو الواجبه، بل والوقوع فی المعاصی والانهماک فیها.
روى أبو بَصِیرٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ ( علیه السلام ) یَقُولُ :” کَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله علیه وآله ) مُؤْمِنٌ فَقِیرٌ شَدِیدُ الْحَاجَهِ مِنْ أَهْلِ الصُّفَّهِ ، وَ کَانَ مُلَازِماً لِرَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله علیه وآله ) عِنْدَ مَوَاقِیتِ الصَّلَاهِ کُلِّهَا لَا یَفْقِدُهُ فِی شَیْءٍ مِنْهَا ، وَ کَانَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله علیه وآله ) یَرِقُّ لَهُ وَ یَنْظُرُ إِلَى حَاجَتِهِ وَ غُرْبَتِهِ ، فَیَقُولُ : یَا سَعْدُ لَوْ قَدْ جَاءَنِی شَیْءٌ لَأَغْنَیْتُکَ .
قَالَ : فَأَبْطَأَ ذَلِکَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله علیه وآله ) فَاشْتَدَّ غَمُّ رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله علیه وآله ) لِسَعْدٍ ، فَعَلِمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مَا دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ مِنْ غَمِّهِ لِسَعْدٍ ، فَأَهْبَطَ عَلَیْهِ جَبْرَئِیلَ ( علیه السلام ) وَ مَعَهُ دِرْهَمَانِ .
فَقَالَ لَهُ : یَا مُحَمَّدُ إِنَّ اللَّهَ قَدْ عَلِمَ مَا قَدْ دَخَلَکَ مِنَ الْغَمِّ لِسَعْدٍ ، أَ فَتُحِبُّ أَنْ تُغْنِیَهُ ؟فَقَالَ : نَعَمْ .
فَقَالَ لَهُ : فَهَاکَ هَذَیْنِ الدِّرْهَمَیْنِ فَأَعْطِهِمَا إِیَّاهُ وَ مُرْهُ أَنْ یَتَّجِرَ بِهِمَا .قَالَ : فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله علیه وآله ) .
ثُمَّ خَرَجَ إِلَى صَلَاهِ الظُّهْرِ وَ سَعْدٌ قَائِمٌ عَلَى بَابِ حُجُرَاتِ رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله علیه وآله ) یَنْتَظِرُهُ .
فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله علیه وآله ) قَالَ : یَا سَعْدُ أَ تُحْسِنُ التِّجَارَهَ ؟فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ : وَ اللَّهِ مَا أَصْبَحْتُ أَمْلِکُ مَالًا أَتَّجِرُ بِهِ .
فَأَعْطَاهُ النَّبِیُّ ( صلى الله علیه وآله ) الدِّرْهَمَیْنِ ، وَ قَالَ لَهُ : اتَّجِرْ بِهِمَا وَ تَصَرَّفْ لِرِزْقِ اللَّهِ .فَأَخَذَهُمَا سَعْدٌ وَ مَضَى مَعَ النَّبِیِّ ( صلى الله علیه وآله ) حَتَّى صَلَّى مَعَهُ الظُّهْرَ وَ الْعَصْرَ .فَقَالَ لَهُ النَّبِیُّ ( صلى الله علیه وآله ) : قُمْ فَاطْلُبِ الرِّزْقَ ، فَقَدْ کُنْتُ بِحَالِکَ مُغْتَمّاً یَا سَعْدُ .
قَالَ : فَأَقْبَلَ سَعْدٌ لَا یَشْتَرِی بِدِرْهَمٍ شَیْئاً إِلَّا بَاعَهُ بِدِرْهَمَیْنِ ، وَ لَا یَشْتَرِی شَیْئاً بِدِرْهَمَیْنِ إِلَّا بَاعَهُ بِأَرْبَعَهِ دَرَاهِمَ .
فَأَقْبَلَتِ الدُّنْیَا عَلَى سَعْدٍ فَکَثُرَ مَتَاعُهُ وَ مَالُهُ وَ عَظُمَتْ تِجَارَتُهُ فَاتَّخَذَ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ مَوْضِعاً وَ جَلَسَ فِیهِ فَجَمَعَ تِجَارَتَهُ إِلَیْهِ ، وَ کَانَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله علیه وآله ) إِذَا أَقَامَ بِلَالٌ لِلصَّلَاهِ یَخْرُجُ وَ سَعْدٌ مَشْغُولٌ بِالدُّنْیَا لَمْ یَتَطَهَّرْ وَ لَمْ یَتَهَیَّأْ کَمَا کَانَ یَفْعَلُ قَبْلَ أَنْ یَتَشَاغَلَ بِالدُّنْیَا ، فَکَانَ النَّبِیُّ ( صلى الله علیه وآله ) یَقُولُ یَا سَعْدُ شَغَلَتْکَ الدُّنْیَا عَنِ الصَّلَاهِ ، فَکَانَ یَقُولُ مَا أَصْنَعُ أُضَیِّعُ مَالِی ؟ هَذَا رَجُلٌ قَدْ بِعْتُهُ فَأُرِیدُ أَنْ أَسْتَوْفِیَ مِنْهُ ، وَ هَذَا رَجُلٌ قَدِ اشْتَرَیْتُ مِنْهُ فَأُرِیدُ أَنْ أُوفِیَهُ .
قَالَ : فَدَخَلَ رَسُولَ اللَّهِ ( صلى الله علیه وآله ) مِنْ أَمْرِ سَعْدٍ غَمٌّ أَشَدُّ مِنْ غَمِّهِ بِفَقْرِهِ ، فَهَبَطَ عَلَیْهِ جَبْرَئِیلُ ( علیه السلام ) فَقَالَ : یَا مُحَمَّدُ إِنَّ اللَّهَ قَدْ عَلِمَ غَمَّکَ بِسَعْدٍ فَأَیُّمَا أَحَبُّ إِلَیْکَ حَالُهُ الْأُولَى أَوْ حَالُهُ هَذِهِ ؟فَقَالَ لَهُ النَّبِیُّ ( صلى الله علیه وآله ) : یَا جَبْرَئِیلُ بَلْ حَالُهُ الْأُولَى قَدْ أَذْهَبَتْ دُنْیَاهُ بِآخِرَتِهِ .فَقَالَ لَهُ جَبْرَئِیلُ ( علیه السلام ) : إِنَّ حُبَّ الدُّنْیَا وَ الْأَمْوَالِ فِتْنَهٌ وَ مَشْغَلَهٌ عَنِ الْآخِرَهِ ، قُلْ لِسَعْدٍ یَرُدُّ عَلَیْکَ الدِّرْهَمَیْنِ اللَّذَیْنِ دَفَعْتَهُمَا إِلَیْهِ ، فَإِنَّ أَمْرَهُ سَیَصِیرُ إِلَى الْحَالَهِ الَّتِی کَانَ عَلَیْهَا أَوَّلًا .
قَالَ : فَخَرَجَ النَّبِیُّ ( صلى الله علیه وآله ) فَمَرَّ بِسَعْدٍ فَقَالَ لَهُ : یَا سَعْدُ أَ مَا تُرِیدُ أَنْ تَرُدَّ عَلَیَّ الدِّرْهَمَیْنِ اللَّذَیْنِ أَعْطَیْتُکَهُمَا ؟
فَقَالَ سَعْدٌ : بَلَى وَ مِائَتَیْنِ .فَقَالَ لَهُ : لَسْتُ أُرِیدُ مِنْکَ یَا سَعْدُ إِلَّا الدِّرْهَمَیْنِ ، فَأَعْطَاهُ سَعْدٌ دِرْهَمَیْنِ .
قَالَ : فَأَدْبَرَتِ الدُّنْیَا عَلَى سَعْدٍ حَتَّى ذَهَبَ مَا کَانَ جَمَعَ وَ عَادَ إِلَى حَالِهِ الَّتِی کَانَ عَلَیْهَا “
فان الفقر اصلح لحاله وان الغنى فسد علیه امر دینه واخرته
وبالجمله: کم من غنی لم یشغله غناه عن الله، وکم من فقیر شغله فقره عن الله.
قال المجلسی قدس سره: (مقتضى الجمع بین أخبارنا: أن الفقر والغنى کل منهما نعمه من نعم الله یعطیها من یشاء من عباده لمصالح، وعلى العبد أن یصبر على الفقر، بل ویشکره ویشکر الغنى ویعمل بمقتضاه، فالغالب أن الفقیر الصابر أکثر ثوابًا من الغنی الشاکر، لکن مراتبهما مختلفه، والظاهر أن الکفاف أسلم وأقل خطرًا من الجانبین).