إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا وَإِذَا مَسَّهُ الْخَیْرُ مَنُوعًا إِلَّا الْمُصَلِّینَ الَّذِینَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ وَالَّذِینَ فِی أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ وَالَّذِینَ یُصَدِّقُونَ بِیَوْمِ الدِّینِوَالَّذِینَ هُم مِّنْ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَیْرُ مَأْمُونٍ وَالَّذِینَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَکَتْ أَیْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَیْرُ مَلُومِینَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِکَ فَأُوْلَئِکَ هُمُ الْعَادُونَ وَالَّذِینَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ
عباد الله اوصیکم و نفسی بتقوی الله و نظم امرکم، نصل الی الفقره السادسه فی ذکر صفات المصلین منها :مراعاه الامانه
الأمانه من أهمّ الفضائل الأخلاقیه والقیم الإسلامیه والإنسانیه، والتی وردت کثیراً فی القرآن الکریم والأحادیث الشریفه. وقد أولاها علماء الأخلاق والسالکون إلى الله تعالى أهمیّه کبیره على مستوى بناء الذات والشخصیّه. وعلى العکس من ذلک (الخیانه)، التی تعدّ من الذنوب الکبیره والرذائل الأخلاقیّه فی واقع الإنسان وسلوکه الاجتماعی.
فی حدیث عن النبیّ الأکرم صلى الله علیه وآله وسلم أنّه قال: “لا إِیمـانَ لِمَنْ لا أَمـانَهَ لَهُ”۶.
وفی حدیث مختصر وعظیم المعنى عن الإمام علیّ علیه السلام قال: “رَأَسُ الإسلام الأَمـانَهُ، رأس النفاق الخیانه”۷.
وعن الإمام الصادق علیه السلام أنّه قال: “إنّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لَم یَبعَث نَبِیّاً إلّا بِصِدقِ الحِدِیثِ وَأَداءِ الأَمـانَهِ إِلىَ البِرِّ وَالفـاجِرِ”۸. وهذا التعبیر یوضّح أنّ جمیع الأدیان السماویه قد جعلت الصدق والأمانه جزءاً مهمّاً من تعلیماتها الدینیّه والإنسانیّه، ومن الأُصول الثابته فی الأدیان الإلهیّه.
ورد أیضاً عن الإمام الصادق علیه السلام تعبیر شدید، حیث قال: “لا تَنظُروا إلى طُولِ رُکُوعِ الرَّجُلِ وَسُجُودِهِ، فَإنَّ ذَلِکَ شَیءٌ اعتَـادَهُ فَلَو تَرَکَهُ استَوحَشَ لِذلِکَ، وَلَکِنْ اُنظُرُوا إلى صِدقِ حَدِیثِهِ وَأَداءِ أَمـانِتِهِ”۹. والهدف من هذا التعبیر لیس تقلیلاً من شأن الصلاه والرکوع والسجود، بل الهدف هو أنّ هذه الأمور لیست هی العلامه الوحیده لإیمان الفرد، بل هناک رکنان أساسیان لدین الشخص, أی الصدق والأمانه.
الإمام العسکریّ علیه السلام ـ لِشیعَتِهِ ـ : اُوصیکُم بِتَقوَى اللّه ِ ، وَالوَرَعِ فی دینِکُم ، وَالاِجتِهادِ للّه ِِ، وصِدقِ الحَدیثِ، وأداءِالأَمانَهِ إلى مَنِ ائتَمَنَکُم مِن بَرٍّ أو فاجِرٍ، وطولِ السُّجودِ، وحُسنِ الجِوارِ ، فَبِهذا جاءَ مُحَمَّدٌ صلی الله علیه و آله .
ونختم هذا البحث بحدیث شریف آخر عن رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم ، قال:“لا تَزَالُ اُمّتِی بِخَیر مـا تَحـابُّوا وَتَهـادُّوا وَأَدُّوا الأَمـانَهَ وَاجتَنبُوا الحَرامَ وَوَقَّرُوا الضَّیفَ وَأَقـامُوا الصَّلاهَ وَآتوا الزَّکـاهَ، فَإذا لَم یَفَعَلُوا ذَلِکَ ابتُلَوا بِالقَحطِ وَالسِّنِینَ”۱۱.
أنواع الأمانه
عندما نتحدّث عن الأمانه، فإنّ أغلب الناس یتبادر إلى أذهانهم الأمانه فی الأُمور المالیّه فقط، مع أنّها طبعاً من أبرز مصادیق الأمانه، کما هو مفهوم من قوله تعالى: ﴿فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُکُم بَعْضًا فَلْیُؤَدِّ الَّذِی اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْیَتَّقِ اللّهَ رَبَّهُ﴾۱۲.
لکن للأمانه مفهوماً واسعاً جدّاً، بحیث تستوعب جمیع المواهب الإلهیّه والنعم الربانیّه على الإنسان. ففی الآیه ۳۳ من سوره “المعارج”، والتی تأتی بعد بیان أوصاف المصلین الحقیقیین وضمن تبشیرهم بالفلاح والنجاه فی الآخره، وبعد بیان أهمیّه الصلاه والابتعاد عن اللغو وأداء الزکاه واجتناب أی لون من ألوان الانحراف الجنسی، فی النهایه یشیر القرآن الکریم إلى مسأله حفظ الأمانه والالتزام بالعهد، فیقول: ﴿وَالَّذِینَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ﴾۱۳.
وفیما یلی نذکر بعض أنواع الأمانه، بالإضافه إلى الأمانه المالیه، وهی:
۱- التکالیف الشرعیّه: من مصادیق الأمانه. التکالیف والأحکام الشرعیه، من الصلاه والحج والزکاه وغیرها، فکلها ودائع وأمانات إلهیّه, لذا کان الإمام علی علیه السلام عندما یحین وقت الصلاه یتغیر حاله، وعندما سُئِل عن ذلک، قال:“جَـاءَ وَقتُ الصَّلاهِ، وَقتُ أَمـانَه عَرضَهـا اللهُ عَلَى السَّمواتِ وَالأَرضِ فأَبَینَ أنْ یَحمِلنَها وأَشفَقنَ مِنهـا”۱۴.
۲- ولایه أهل البیت علیهم السلام: فی الحدیث عن الإمام الصادق علیه السلام أنّه قال: “إِنَّ اللَّهَ تَبَارَکَ وَ تَعَالَى خَلَقَ الْأَرْوَاحَ قَبْلَ الْأَجْسَادِ بِأَلْفَیْ عَامٍ فَجَعَلَ أَعْلَاهَا وَ أَشْرَفَهَا أَرْوَاحَ مُحَمَّدٍ وَ عَلِیٍّ وَ فَاطِمَهَ وَ الْحَسَنِ وَ الْحُسَیْنِ وَ الْأَئِمَّهِ بَعْدَهُمْ… مَنْ أَقَرَّ بِوَلَایَتِهِمْ وَ لَمْ یَدَّعِ مَنْزِلَتَهُمْ مِنِّی وَ مَکَانَهُمْ مِنْ عَظَمَتِی جَعَلْتُهُ مَعَهُمْ فِی رَوْضَاتِ جَنَّاتِی وَ کَانَ لَهُمْ فِیهَا مَا یَشَاءُونَ عِنْدِی وَ أَبَحْتُهُمْ کَرَامَتِی وَ أَحْلَلْتُهُمْ جِوَارِی وَ شَفَّعْتُهُمْ فِی الْمُذْنِبِینَ مِنْ عِبَادِی وَ إِمَائِی فَوَلَایَتُهُمْ أَمَانَهٌ عِنْدَ خَلْقِی…
عن الإمام الرضا علیه السلام :«الْأَمَانَه الْوَلَایَه مَنِ ادَّعَاهَا بِغَیرِ حَقٍّ کَفَرَ»