بسم الله الرحمن الرحیم
اللهم صلِّ على محمدٍ وآله، وبلِّغ بإیمانی أکمل الإیمان واجعل یقینی أفضل الیقین، وأنتهِ بنیتی إلى أحسن النیَّات
کان حدیثنا حول حول هذه الفقره من الدعاء الشریف “وأنتهِ بنیتی إلى أحسن النیَّات ” وقلنا ان البحث قد یکون فی محورین الأول: حول المعنى المراد من النیه، وکیفیه تصحیح النیه، والثانی: حول المراد من “أحسن النیَّات”.
و قلنا حسب تتبع الروایات المراد من احسن النیات هو الاخلاص فی العمل لله سبحانه و تعالی ثم شرحنا معنی الاخلاص اما الان قد حان بیان کیفیه تحقق الاخلاص فی العمل و ما هی الموانع التی تحول بینه
کیف یتحقّق الإخلاص؟ و ما هی مَوانِعُ الإخلاصِ
۱٫هوی النفس
یتحقّق الإخلاص من خلال إزاله المانع الذی یحول دون تحقّقه. وهذا المانع هو هوى النفس.
فعن أمیر المؤمنین (علیه السلام) أنّه قال: “کیفَ یَستطیعُ الإخْلاصَ مَن یَغْلِبُهُ الهَوى ؟”.
والهوى هو حبّ النفس واتّباع الأوامر الصادره منها، وهو ما یُعتبر شرکاً، لأنّ المُطاع فیه هو نفس الإنسان ولیس الحقّ عزّ وجلّ. إنّ اتّباع الهوى یؤدّی بالإنسان إلى الضّلال عن سبیل الله عزّ وجلّ وصراطه المستقیم، ذلک أنّ سبیله تعالى مرهونٌ بأمرین هما التوحید والطاعه، وقد قال عزّ من قائلٍ: ﴿وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَیُضِلَّکَ عَن سَبِیلِ اللَّهِ﴾.
وللأسف فإنّنا فی کثیرٍ من الموارد نجعل أهواءنا مکان الله تعالى، وننصاع لمیولنا النفسیّه بدل الانصیاع لأحکام الشّرع.
یقال للبنت مثلا حجابک تقول کیفی نفسی تحب و… الامثله کثیره
من هنا یقول الحقّ تعالى فی کتابه العزیز: ﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّهَ هِیَ الْمَأْوَى﴾.
نعم فإنّ آفات الإخلاص کثیرهٌ، و لا یستطیع أیّ إنسان العبور منها، إلاّ بتوفیق ربّانی، و لطف إلهی.
و فی الواقع هوی النفس هو أهم وأقوى آفات الإخلاص، لان هوى النفس، یکدّر عینُ الإخلاص و یُظلِمُها.
۲٫تطویل الأمال
عن امیرالمومنین علیه السلام:” قَلِّلِ الآمالَ تَخْلُصْ لَک الأعمالُ”
فطویل الأمل هو الذی یحلم دومًا ویتمنّى أن یدرک بعض الأمور الدّنیویّه فی المدّه الزّمنیّه التی تزید عن المدّه الطّبیعیّه لتوقّعات الإنسان المؤمن بالحیاه الآخره.
أنّ الدّنیا عندما تکون مقصدًا فإنّها تصبح عدوًّا للآخره، وطریقًا بالاتّجاه الآخر، بحیث إنّ طالب الدّنیا کلّما خطا خطوهً باتّجاهها، فهذا یعنی أنّه ابتعد بنفس المقدار ـ إن لم یکن أکثر ـ عن الآخره،
فعن أمیر المؤمنین علیه السلام: “إِنَّ الدُّنْیَا وَالاْخِرَهَ عَدُوَّانِ مُتَفَاوِتَانِ، وَسَبِیلاَنِ مُخْتَلِفَانِ، فَمَنْ أَحَبَّ الدُّنْیَا وَتَوَلاَّهَا أَبْغَضَ الآخِرَهَ وَعَادَاهَا، وَهُمَا بِمَنْزِلَهِ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، وَمَاشٍ بَیْنَهُمَا، کُلَّمَا قَرُبَ مِنْ وَاحِد بَعُدَ مِنَ الآخَرِ، وَهُمَا بَعْدُ ضَرَّتَانِ!”.
وهذا هو المعنى المستفاد من قوله تعالى: ﴿مَن کَانَ یُرِیدُ حَرْثَ الْآخِرَهِ نَزِدْ لَهُ فِی حَرْثِهِ وَمَن کَانَ یُرِیدُ حَرْثَ الدُّنْیَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِی الْآخِرَهِ مِن نَّصِیبٍ﴾.
وقد جعل(صلى الله علیه وآله وسلم) طریق الجنّه بقصر الأمل وقلّه رجاء الدّنیا والاستعداد للموت قبل حلول الفوت، ففِی وَصِیَّتِهِ لأَبَی ذَرٍّ:”
یَا اباذر! أَ تُحِبُّ أَنْ تَدْخُلَ الْجَنَّهَ قُلْتُ نَعَمْ فِدَاکَ أَبِی، قَالَ فَاقْصِرْ مِنَ الْأَمَلِ وَ اجْعَلِ الْمَوْتَ نُصْبَ عَیْنَیْکَ، وَ اسْتَحِ مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَیَاءِ، قَالَ قُلْتُ یَا رَسُولَ اللَّهِ کُلُّنَا نَسْتَحِی مِنَ اللَّهِ، قَالَ لَیْسَ ذَلِکَ الْحَیَاءَ، وَ لَکِنَّ الْحَیَاءَ مِنَ اللَّهِ أَنْ لَا تَنْسَی الْمَقَابِرَ وَ الْبِلَی، وَ الْجَوْفَ وَ مَا وَعَی وَ الرَّأْسَ وَ مَنْ حَوَی، وَ مَنْ أَرَادَ کَرَامَهَ الْآخِرَهِ فَلْیَدَعْ زِینَهَ الدُّنْیَا، فَإِذَا کُنْتَ کَذَلِکَ أَصَبْتَ وَلَایَهَ اللَّهِ.”
الحیثیّه الوحیده التی لا تجعل الدّنیا عقبه أو مانعًا من سلوک طریق الآخره التی خُلقنا لها هی: عندما تکون الحیاه الدّنیا فی خدمه الأهداف والمشاریع الإلهیّه.