شرح فقره «وَعَلَى الشَّبَابِ بِالْإِنَابَهِ وَ التَّوْبَهِ»
وتَفَضَّلْ عَلَى عُلَمَائِنَا بِالزُّهْدِ وَ النَّصِیحَهِ وَ عَلَى الْمُتَعَلِّمِینَ بِالْجُهْدِ وَ الرَّغْبَهِ وَ عَلَى الْمُسْتَمِعِینَ بِالاتِّبَاعِ وَ الْمَوْعِظَهِ وَ عَلَى مَرْضَى الْمُسْلِمِینَ بِالشِّفَاءِ وَ الرَّاحَهِ وَ عَلَى مَوْتَاهُمْ بِالرَّأْفَهِ وَ الرَّحْمَهِ، وَ عَلَى مَشَایِخِنَا بِالْوَقَارِ وَ السَّکِینَهِ وَ عَلَى الشَّبَابِ بِالْإِنَابَهِ وَ التَّوْبَهِ
نتابع حدیثنا فی شرح دعاء الامام المهدی (عجل الله تعالی فرجه) و نصل الی هذه الفقره«وَعَلَى الشَّبَابِ بِالْإِنَابَهِ وَ التَّوْبَهِ»
امامنا یدعو للشباب بالانابه و التوبه ای یرجع الی الله سبحانه و تعالی لاسیما فی هذه الایام الاخیره من شهر رمضان المبارک
کما الله سبحانه و تعالی یرید من عباده عدم الیاس و القنوط من رحمه الله
«قُلْ یا عِبادِیَ الَّذینَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَهِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ یَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمیعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحیمُ»
التَّوْبَهُ حَسَنَهٌ وَ هِیَ مِنَ الشَّابِّ أَحْسَن…ُ وَ شَابٌّ لَا تَوْبَهَ لَهُ کَنَهَرٍ لَا مَاءَ لَه
فَضلُ الشّابِّ العابِدِ
رسولُ اللّه ِ صلى الله علیه و آله : إنَّ اللّه َ تعالى یُحِبُّ الشابَّ التائبَ .
عنه صلى الله علیه و آله : ما مِن شَیءٍ أحَبَّ إلى اللّه ِ تعالى مِن شابٍّ تائبٍ ، و ما مِن شَیءٍ أبغَضَ إلى اللّه ِ تعالى مِن شَیخٍ مُقیمٍ على مَعاصِیهِ .
الإنابه فی اللغه
فالإنابه: العوده والرجوع.
الإنابه فی الاصطلاح
الإنابه اصطلاحاً : رجوع إلى الله تبارک اسمه، وهی : (رجوع عن کلّ شیءٍ مما سوى الله، والإقبال علیه بالسرور والقول والفعل، حتّى یکون دائماً فی فکره وطاعته، فهی غایه درجات التوبه وأقصى مراتبها)
فهی رجوع إلیه تبارک اسمه بالاستغفار والمتاب، والإخلاص لوجهه، والالتزام به، والإسراع إلیه بالثبات على سبیله، ومحاربه الشیطان وإغوائه ووساوسه عن طریق الإعراض والنسیان لمکائده.
والمنیب: هو العبد الراجع إلى خالقه سریعاً.
فالإنابه : (إلى الله تعالى: الرجوع إلیه بالتوبه وإخلاص العمل، وفلان ینتاب فلاناً: یقصده مره بعد أخرى)
وهذا الرجوع والإقبال على الله تبارک اسمه لا یکون إلاّ بالعزم والإراده والتصمیم الأخیر بترک الذنوب، والانتقال إلى ترک المباحات،وذلک لا یکون إلاّ بسبق العبد إلى حسن ظنه بنفسه، فیختفی عن مذموم شیمه ومساوئ أخلاقه؛ لأن النفس بالسوء أماره، وعن الرشد زاجره، فإذا کانت کذلک فحسن الظن بها، هو وثوق بها، وهو عجز، والعاجز من عجز عن سیئات نفسه، وهذا لا یتناسب ومقام السالک إلى الله تبارک اسمه والسیر إلیه، والانتقال إلى مقام الإنابه والعوده إلیه بالخضوع والخشیه لله تبارک وتعالى.
قال الإمام أبو عبدالله الصادق ـ علیه السلام ـ: ((إذا تاب العبد توبه نصوحاً أحبه الله، فستر علیه فی الدنیا، فقلت: وکیف یستر علیه ؟ قال: ینسی ملکه ما کتب علیه من الذنوب، ویوحی إلى جوارحه: اکتمی علیه ذنوبه، ویوحی إلى بقاع الأرض: اکتمی ما کان یعمل علیک من الذنوب، فیلقى الله حین یلقاه ولیس شیء یشهد علیه بشیءٍ من الذنوب))
قال ابن عباس : (التوبه النصوح : الندم بالقلب، والاستغفار باللسان، والإقلاع بالبدن، والإضمار على أن لا یعود)
ولما کان الوصول إلى التوبه النصوح لا یتحقق إلاّ بالندم والعزم على ترک المعصیه والاستغفار الحقیقی لکن الندم على الذنب هو حاله الانکسار التام، وإظهار الحرقه والألم عند ارتکاب المعصیه، وهو حاله من (الغم الذی یصیب الإنسان ویتمنى أن ما وقع منه لم یقع )
وهذا یدعو إلى العزم والإراده على الترک المقرون بالاستغفار الذی هو طلب المغفره بعد رؤیه قبح المعصیه والإعراض عنها واستصلاح الأمر الفاسد قولاً وفعلاً)
فکما أن الاستغفار للعبد باب العوده إلى الفطره السلیمه والروح الطاهره فهو کذلک یکشف عن العبد أنواع البلاء، ویؤثر أثراً خاصاً فی زیاده الخیر وإدرار الرزق، قال الله تبارک اسمه: (فقلت استغفروا ربکم إنه کان غفاراً * یرسل السماء علیکم مدراراً * ویمدد کم بأموال وبنین ویجعل لکم جنات ویجعل لکم أنهار)
فصدق العبد المؤمن فی ترکه الذنب وندمه واستغفاره هو الذی یفتح باب التوبه لإنقاذه من المصیر المظلم (بالتوبه والإیمان الصحیح والعمل الصالح) (إلاّ من تاب وآمن وعمل صالحا) ویعد الله تعالى التائبین المؤمنین العاملین أن یبدل ما عملوه من سیئات قبل التوبه حسنات بعدها تضاف إلى حسناتهم الجدیده (فأولئک یبدل الله سیئاتهم حسنات).
وهو فیض من عطاء الله لا مقابل له من عمل العبد، إلاّ أنّه اهتدى ورجع عن الضلال، وتاب إلى حمى الله ولاذ به بعد الشرور والمتاهه (وکان الله غفوراً رحیم)
فالابتداء بالندم والإقلاع عن المعصیه، والانتهاء بالعمل الصالح الذی یحقق التوبه النصوح، بعدها تتحقق الرحمه والمغفره من الله تعالى الغفور الرحیم، فهو تبارک اسمه غافر وغفور وغفار للذنب؛ لأنه جل جلاله (یزیل معصیتک من دیوانک، وغفور؛ لأنه ینسی الملائکه أفعالک، وغفار؛ لأنه ینسیک ذنبک حتّى کأنک لم تفعل. وقیل: الغافر فی الدنیا، والغفور فی القبر، والغفار فی عرصه یوم القیامه).
فالانتقال من التوبه إلى الإنابه لا یتحقق حتّى یستکمل العبد مرحله التوبه النصوح ویحقق ذلک فی نفسه، خصوصاً إذا وصل السالک إلى آخر درجات التوبه التی هی: الاستغفار الحقیقی القلبی، لا الاستغفار الذی لا یتعدى اللسان، کلقلقه الکلام المیت الذی لیس له حاله واقعه ومؤثره فی النفس، قال الله تعالى: (والذین إذا فعلوا فاحشه أو ظلموا أنفسهم ذکروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن یعفر الذنوب إلاّ الله ولم یصروا على ما فعلوا وهم یعلمون * أولئک جزاؤهم مغفره من ربهم وجنات تجری من تحتها الأنهار خالدین فیها ولنعم أجر العاملین).
فذکر الله ـ تبارک اسمه ـ والرجوع إلیه بالاستغفار والحزن الطویل، والبکاء من الخطیئه، وقضاء العبادات التی فوتها العبد أثناء ارتکاب الذنب، والخروج من مظالم العباد، وترویض هذه النفس الأماره بتحمیلها ما یشق علیها فی الشریعه المقدسه، یعطی للعبد استغفاراً حقیقیاً مقبولاً عند الله تبارک اسمه قال الإمام علی ـ علیه السلام ـ لقائل قال بحضرته: ((أستغفر الله، ثکلتک أمک، أتدری ما الاستغفار أن الاستغفار درجه العلیین،
وهو اسم واقع على سته معان:
الأول : الندم على ما مضى.
الثانی : العزم على ترک العود علیه أبداً.
الثالث : أن تؤدی إلى المخلوقین حقوقهم حتّى تلقى الله أملس لیس علیک تبعه.
الرابع : أن تعمد إلى کلّ فریضه علیک ضیعتها فتؤدی حقها.
الخامس : أن تعمد إلى اللحم الذی نبت على السحت فتذیبه بالأحزان حتّى تلصق الجلد بالعظم وینشأ لحم جدید.
السادس : أن تذیق الجسم ألم الطاعه کما أذقته حلاوه المعصیه، فعند ذلک تقول: أستغفر الله)).
مقام الإنابه أرفع من مقام التوبه. الإنابه: عوده العبد إلى ربّه بقلبٍ وهمّه. والتوبهَ: عوده العبد من المعصیه إلى الطاعه.
سید سلمان هاشمی امام جمعه شهرستان رامشیر
منوی اصلی